الأربعاء، 27 يوليو 2011

مريول مراهقة




من بين ضجيج الطالبات.. وفي فترة الراحة.. وبعد اختلاط الأنفاس عند نافذة المقصف ينطلق تساؤلها كمدفع:
-         (خلود يا.... لماذا تمشين بهذه الطريقة ؟ )
كانت هذه العبارة أول خيط أكدَّ لها صدق ظنونها، لا تدري بالتحديد متى بدأت تخطو (كالرجل الآلي) كما أسموها لاحقاً، إلا أنها واثقة أن ثقل رجليها يزداد، ونظراتٌ يعلوها الاستفهام مصوبة نحوها.
تفكر: ثمة أمور محيرة في هذه المتوسطة, لم تكن الابتدائية التي كنتُ فيها منذ شهور مليئة بهذا الكم الهائل من عدسات المراقبة، والتي محورها ببساطة ذلك الشيء الذي يحيطني بهمجية.
* * *
تعود إلى المنزل وكابوس مريولها يفقدها توازنها، تقف وجهاً لوجه أمامه في المرآه المستطيلة تراه يملؤها بكل تحدٍ، ترفع يدها فيرتخي كمها حتى تصل إسورته لمرفقها من اتساع فتحته، تقبض على القماش الزائد منه (شبر - شبرين) ضِعفَي ذراعها النحيلة، تشدّ طرفي الفستان من تحت خاصرتها فتتضخم أمنيتها بأن تملأ ذلك الكيس بكتل من اللحم، تخلعه بعصبية وترميه على الأرض.. تستبدله ببيجامتها وسرعان ما يعود التوازن لقدمها، وتنتظم تحركاتها ويتسامى ارتباكها، تعود بخطاها إلى المرآه فتطمئن إلى أن ما ترتديه يناسبها رغم بساطته، إنه لا يعاديها تدقق النظر في المرآه أكثر فتكتشف محبتها للون الأحمر، تبتسم فينتزعها صوت أمها:
-         خلووود القي بمريولك في سلة الغسيل
تسحب طرفه بازدراء وتنطق: (أمي أريد أن أفصل مريولاً على مقاسي مثل صديقاتي)
تجيبها بلا مبالاة (ما الفرق بين الجاهز والتفصيل؟)
على الأقل أريد تضييقه وتردف بحدة: (إن هذا ليس مريولي ابحثي لك عن فتاة وزنها 85 كلجم وتصدقي به عليها) وتقذف به إلى سلة الغسيل.
ترمقها أمها بنظرة تشل لسانها بينما تندفع الكلمات كسيل من قلبها دون أن تتجاوز حنجرتها.. تجر الخطا الواهنة نحو غرفتها وصدى كلمات نطقتها صديقتها يصم أذنها (أتدرين ياخلود أن تضييق الملابس عند الخياط لا تكلف سوى عشرة ريالات فقط)، تطالعها ابتسامتها الماكرة التي عبثاً حاولت إخفاءها، تنفض صورتها الساخرة من رأسها، تضغط بمخدتها على قلبها وتبكي.
ثلاثة أعوام مضت على تلك الدموع التي كانت بداية لسلسة من الهواجس، وها هي تخلع المريول البني إلى غير رجعة، استلقت على السرير ذاته وسكبت بعضاً من الدموع لتعطي الوداع حقه.
ثلاث سنوات أخريات انقضت وانتهى كابوس المرحلة الثانوية وحصلت على تأشيرة الدخول للجامعة.
تخصصت في علم النفس واستمتعت بمواده، وعبارة نطقتها الأستاذة اليوم عالقة بذهنها: (إن الفتاة في مرحلة المراهقة المبكرة تميل إلى ارتداء ما يتوافق مع مثيلاتها، والملابس الجيدة تكسبها الثقة بالنفس، والمراهِقَة التي تشعر أن مظهرها غير ملائم، تميل للعزلة وتصاب بالاكتئاب).
ومضت تسهب في ذكرياتها إلى أن قطعها صوت طرق خفيف متردد على الباب ثم طالعها وجه أختها الصغرى التي عادت من مدرستها تواً، سألتها:
(ألا ترين يا خلود أن الحزام المتصل بالمريول أجمل من المتحرك؟ معظم صديقاتي يرتدينه كذلك!)
تنظر إليها في ذهول وتهز رأسها إيجاباً، بينما تملأ ناظرها بمريولها الداكن اللون.
* هذه القصة نشرت لي في مجلة حياة للفتيات العدد : 127 وفي هذا الرابط إعلان عن العدد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.